بقلم : عدي الكساسبة
قال الله تعالى :(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . صدق الله العظيم. في الأيام التي مضت , زلزلت أفئدة الأردنيين و صُدعت لاستشهاد ابن الوطن البطل الطيار معاذ الكساسبه, الذي قدّم الروح دفاعاً عن الاسلام و في سبيل الوطن , قضى الشهيد المقّدام دونما توّسل دونما ضجر. إني أرى في وجوهكم الحزن ملؤه الفخر و اسمع أزيزَِ قلوب الأردنيين التي توحّدت على قلب رجل واحد إذ تأنُّ غضباً لابنهم البطل و من هذا الصرح الصامد الذي تناظرونه بجدرانه الشامخه كيف تبكي فخراً لِما أصابها على وليدها الشهيد الطيار معاذ , ترونها كيف تبتسم لوليدها إذا قضى برسالته الخالده درءاً عن حمى الوطن, و عندما نتفوّه بكلمة الوطن ترتعد كل الأحشاء و تستنفر كل القلوب للوطن .
بدأ رفيق دربي و كراستي مسيرته الأكاديميه من هذا الصرح الذي شرّف اليوم و توسّم الفخر باسمه طالباً يشبهكم ع قدرٍ عالٍ من الخلق و الجِدّ و شهدت له مقاعد درسه و أقرانه الذي أتشرف اليوم أني كنت منهم و معلموه و أستاتذه صفه بالخلق السوي المتزن و سماحة الطِباع و طيب المعشر و نزعته الدينيه السوية المعتدله .
راود الشهيد الحلم ليصبح طياراً يزلزل أرض العدو و يُبهٍته و يذود عن دينه و أمته و عن حمى الأوطان و لكرامة الله كتب الله له ذلك و أصبح طياراً ليس عادياً بل تفوّق في كل مراحل حياته بدءاً من مدرسته إلى سلاح الجو الملكي و عدد سنواته شاهداً على ذلك . يا رفيق الدرب, يا شهيد الوطن, يا صاحب الخلق السمح , إننا افتقدناك من ربوع عي التي توسّمت فخراً بك و تقلّدت الشرف بك ذات الجبال الراسيات التي تحتضنها , هُزّت حزناً على استشهادك و لكنها لا تبخل بكل ابنائها عن الوطن, فقد قدّمت من قبلك زمرةً من أهلك حيث قضوا جميعاً دفاعاً عن الاسلام و الوطن في ساحات الوغى و هم بلغوا قُرابة الواحداً و ثلاثين شهيداً.
رحل الشهيد البطل على يد تنظيم سمته التطرف و القتل بطرق وحشيه و تجرّد من الانسانيه و الرحمه و الدين, واجه الشهيد الموت بكل فخر , بدا منتصب القامه مرفوع الرأس يطالع السماء فقد تعوّد دائما أن يرقب السماء و ما انحنى و ما ضَعُف و ما استكان , عشرات من الجرذ من حوله مدججين بالسلاح يخشونه لأنه لطالما أرعدهم ناراً و لكنه ما ارتعد قلبه لهم و لا بدا الخوف في وجه , قاتل النار بايمانه بعزيمته لم يتوسل و لن يتوسل و ما طلب العون إلا من الله , علم أن الروح بيد باريها , تعجّب العالم من رباطة جأشه و صلابته أمام النار و عنفوانه , بل كان مستقبلا الموت و لما يخوفونه أمنعوا السياج من حوله فهذا ولد ليرعبهم, لم يألف الطيار الخوف , لم يألف الجبن تجرّع الوطن من ثدي أمه الطاهره المحتسبه و من عزم أبيه الصامد الذي علّم الوطن كيف يكون الحب.
آلم الأردنيين المشهد و هزَّ وجدانهم و تمنوا أن لو قاسموك النار و لا تركوك وحيداً و لكن هذا قدر الله لك يا أخي , و ما أرى اليوم إلا برهان حق على كرامة الله لك في الدنيا و الآخره إن شاء الله. إن الحروف الأربعه ( معاذ ) أصبحت عزيمة للأردنيين و مصدر الفخر و العز لهم, إننا لا نبكيك لأنك رحلت شهيداً فذاك فخراً قد توسّمته و ألبسته تاجاّ لنا و لأهلك الأخيار, إننا نبكي أن تركناك وحيداّ دونما عون و ددنا لو أحرقناهم و لا طالتك أياديهم العفنه القذره المسمومه بالحقد , فهؤلاء شرذمة قليلون ادّعوا أنهم أصحاب رسالة الاسلام السمحه و لكن حاشا لله أن يكونوا أهل دين و رسالة .
إن الاسلام دين السماحة و الرحمه و العهد حافظ حتى على غير المسلمين في بلاده و أمِن لهم حياتهم ,فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد و بقي على عهده أن يحظى بمحآجة النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلمه فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»، و شدد الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً»، تلك صور من سماحة النبى صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين.
و لكننا رأيناهم يقتلون العالمين مسلمين و غير مسلمين بطرق وحشيه و ملؤها البشاعة , فيجزّون الرقاب باسم الدين و الاسلام برآء من هؤلاء المتطرفين , و قد تجرّؤا على دماء المسلمين و قتلوهم و استباحوا أعراضهم و استعبدوهم شر استعباد و اكرهوهم و آخرها تكالبهم الجبان على الشهيد البطل النقيب معاذ الكساسبه.
يا رفيق الدرب لقد ارتقت الروح عند مُودعها طاهره راضيه إلى جوار الرحمن الرحيم إلى جوار المنتقم.سينتصر الله لظلمك . اللهم ألهمنا الصبر و الثبات على دينك و نسأل الله لشهيد الرحمه و جنات الخلد مع الأبرار و الصالحين

