بقلم : حاتم الازرعي حذر كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة الأمريكية ، أنتوني فاوتشي، من "متحور متوحش" لفيروس كورونا، قد يبدأ بالانتشار مستقبلا بسرعة مخيفة .
تصريحات فاوتشي ، التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية والمحلية بسرعة البرق، اعادت خلط الأوراق، وهزت العالم بقوة شديدة، بأعلى الدرجات على مقياس ريختر ، وارتداداتها وتداعياتها لا تقف عند حدود الصحة ، بل تتجاوزها الى مناحي الحياة كافة ، ولا سيما على الاقتصادية والاجتماعية .
وللحقيقة ، لا أجزم، ولست متأكدا ، إن كانت تصريحات فاوتشي تنطلق من إعتبارات مهنية مطلقة ، أم "لغاية في نفس يعقوب"، فما زال كثيرون يميلون الى تفسير الوباء وانتشاره عالميا على هذا النحو في إطار نظرية المؤامرة الكونية على البشرية.
تصريحات فاوتشي وتحذيراته حول "المتحور المتوحش " اعادت إلى الذاكرة بالتداعي الحر، أسطورة "ابو رجل مسلوخة " ، عندما كنا اطفالا صغارا نشاغب او نتلكأ في الذهاب للنوم ، كانت الام تستحضر هذه الشخصية الوهمية لتثير الرعب في نفوسنا فنخلد الى النوم ونكف عن الشغب .
وبعيدا عن نظرية المؤامرة ، اميل الى حسن النية ، فلربما اراد فاوتشي إخافة المجتمع الدولي ليستنفره لاتخاذ التدابير الأكثر نجاعة في مكافحة الوباء وتفشيه ووقف تحوراته التي ما زالت تعيق جهود المكافحة وتضعفها ، وتعيدها في عديد من دول العالم الى المربع الاول .
المجريات على أرض الواقع تعزز احتمالية عالية لمجيء قد لا يطول انتظاره للمتحور المتوحش، فمن طبع الفيروسات وسماتها وخصائصها، التحور، ولا احد يستطيع التكهن بشكله ومضمونه وصفاته ، فالابواب مفتوحة على اتجاهات تحور هين لين قابل للسيطرة أو تحور متوحش يخرج عن نطاقها وغير قابل للتدجين .
وعليه فإن متحور فاوتشي المتوحش ، المحتمل ، ليس من نسج الخيال، ويدعونا لإعادة ترتيب الأوراق ، من أجل وعي جمعي يستند الى الحقائق العلمية المعلومات ، لإبعاد شبح هذا المتوحش، وجعله مجرد وهم واسطورة مجهولة المعالم ، كما هي أسطورة ابو رجل مسلوخة.
وفق آخر الاحصائيات العالمية بلغ اجمالي الإصابات بفيروس كورونا ما يقارب 228 مليوناً ، .وأودى بحياة ما يقارب 5 ملايين حول العالم ، وهذه الارقام مثبته وموثقة، وليست من نسج خيال احد .
ومحليا بلغ عدد الإصابات المسجلة في المملكة منذ ظهور الوباء 811 ألفاً و463 حالة، وبذلك يحتل الاردن المرتبة 41 عالميا بعدد الإصابات التراكمي ، وتشير بيانات وزارة الصحةالى ارتفاع عدد إصابات كورونا النشطة إلى 12 ألفا و479 حالة ، فيما توفي 10 آلاف و586 شخصا جراء الفيروس .
قريبا يقفل فيروس كورونا المستجد العام الثاني من عمره ، على أرقام إصابات ووفيات غير مسبوقة في تاريخ الوبائيات بهذا الحجم المريع خلال مدة زمنية قصيرة نسبيا ، ونأمل ان لا يدخل عامه الثالث بعد اشهر معدودة متوحشا ، فيوقع المزيد من الاصابات وحصد الأرواح !!.
ويجمع علماء الوبائيات على أن إستمرار حالات الإصابة بفيروس كورونا ، وازدياد عددها ، " قد تظهر أعداد كافية من طفرات جديدة قادرة على تكوين متحور مختلف تماما " ، فهل يكون متوحشا ؟؟ هذا ما يحذر منه فاوتشي، ويدعونا الى مزيد من الانتباه والاستعداد والجاهزية واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة ، فهل نستجيب ، لنتقي شر القادم المتوحش ؟ وما العمل ؟؟.
ومرة اخرى، يؤكد الخبراء ويجزمون ويكاد ان يكون هناك إجماع بينهم على ان الحل الامثل المتاح اليوم يتمثل في اللقاحات ضد كورونا ، ومن شأنها "وقف انتشار المتحور الجديد والقضاء على المتغيرات الخطرة "، كما يعتقد فاوتشي ، هذا فضلا عن الالتزام بالكمامة بشكل سليم .
لكن المتابع لمجريات الامور على أرض الواقع يشعر بالأسى ، فالتحصين من الفيروس بالحصول على المطعوم لا يأخذ مجراه الصحيح ، حيث تصتطدم الجهود على هذا الصعيد بجدار صلب من الرفض .
وتشير الارقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الى ان الاقبال على التطعيم ما زال متدنيا، إذ بلغ عدد الحاصلين على الجرعة الأولى ثلاثة ملايين و ٦١٥ شخصا ، فيما بلغ عدد من اكملوا الجرعتين ثلاثة ملايين و ١٥٥ ألفا، وهذه الارقام دون مستوى الطموح لبلوغ المناعة المجتمعية.
اما على صعيد الالتزام بلبس الكمامة ، فحدث ولا حرج ، فقد نسي الناس أو لعلهم يتناسون الفيروس ،ضاربين بعرض الحائط بكل ما صدر من أوامر الدفاع بهذا الشأن ، وفي الحقيقة لم تعد الأجهزة المعنية تتابع فعليا مدى الالتزام ، وترك الحبل على الغارب ، وما نسمعه من الحكومة في هذا الشأن ليس أكثر من لغو كلامي ، لم يعد الناس يصدقونه.
وما نطرحه اليوم ، ليس ميلا الى التشاؤوم ، فالمدخلات على أرض الواقع في جهود المكافحة، لا تبشر بخير ، وستقودنا الى مخرجات تجعل الاردن يتقدم دول العالم في الوصول مبكرا الى التماس المباشر مع المتحور المتوحش الذي سيطرق بعنف باب المجتمعات التي تتأخر عن التحصين ، ويدخلها دون إستئذان ، ويخوض معها معارك غير متكافئة ، ويهزمها ويرفع رايات النصر ، وهذا ما لا يريده احد.
وحتى يصمد العالم، ويهزم الوباء، لا بد من أخذ تصريحات فاوتشي ، حول احتمال " متحور متوحش "على محمل الجد ، ومحليا ينبغي أن تلتفت إليها الحكومة ، وأن لا تمر عليها مرور الكرام ، ويجب أن تنهض بدورها على أكمل وجه ، فمسؤوليتها الاولى والاخيرة حماية الصحة العامة ، دون أن نغفل دور الناس ومسؤوليتهم تجاه صحتهم ووقايتها من الامراض .

