بقلم: سارة السخني
وكالة سباي سات الاخباري - عمان - يُحيي الأردنيون، ومعهم الأمة العربية جمعاء، في الرابع عشر من تشرين الثاني، الذكرى التسعون لميلاد المغفور له بإذن الله، جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، "فقيد الأمة" وباني نهضة الأردن الحديث. إنها ذكرى لا تمر عابرة، بل تستدعي استحضار مسيرة قائد استثنائي كرس حياته لخدمة وطنه وأمته، وقاد المملكة الأردنية الهاشمية عبر أمواج التحديات الإقليمية والدولية إلى بر الأمان والاستقرار.
البداية.. ونشأة القائد :
وُلد جلالة الملك الحسين بن طلال في عمّان عام 1935، وترعرع في كنف جده المؤسس، جلالة الملك عبدالله الأول، ووالده جلالة الملك طلال بن عبدالله، ما غرس فيه منذ نعومة أظفاره القيم الهاشمية النبيلة المتمثلة في التضحية، والتفاني، والالتزام بقضايا الأمة.
تلقى تعليمه في الأردن ومصر، ثم التحق بأعرق الأكاديميات العسكرية، "ساندهيرست" في بريطانيا، ليعود شابًا متسلحًا بالعلم والتدريب العسكري. وفي سن السابعة عشرة، اعتلى العرش في الحادي عشر من آب عام 1952، ليبدأ أطول فترة حكم في تاريخ المملكة، امتدت لسبعة وأربعين عامًا.
سنوات البناء والتحرير: صناعة الدولة الحديثة :
شهد الأردن في عهد المغفور له الملك الحسين، تحولاً جذرياً وشاملاً، محوّلاً البلاد من دولة ناشئة بموارد محدودة إلى دولة عصرية تتمتع بمؤسسات راسخة وبنية تحتية متقدمة. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، بل كان حافلاً بالصعاب، لكن حنكة القائد وإرادته الصلبة كانت أكبر من كل التحديات:
تعريب قيادة الجيش (1956): يُعد هذا القرار التاريخي من أهم إنجازات الحسين، حيث تم إنهاء خدمات القائد البريطاني للجيش العربي، جلوب باشا، وقيادة الضباط الأجانب، ليصبح الجيش العربي أردنياً هاشمياً بالكامل، الأمر الذي عزز السيادة الوطنية وأطلق شرارة الفخر والاعتزاز في نفوس الأردنيين.
بناء المؤسسات والديمقراطية: وضع الحسين الأسس المتينة للدولة المدنية الحديثة، وعزز الحياة الديمقراطية رغم كل الظروف المحيطة. ركّز على تطوير القطاعات الحيوية، وأنشأ الجامعات والمستشفيات، ووسّع شبكة الطرق والاتصالات، وكرّس شعار "الإنسان أغلى ما نملك"، ليكون محور التنمية الشاملة.
النهضة الاقتصادية والاجتماعية: تميز عهده بنهضة اقتصادية متوازنة، ركزت على تطوير التعليم والصحة كرافعتين أساسيتين، وارتفعت مستويات المعيشة، وتضاعفت أعداد الأردنيين المتعلمين، ما جعل من الأردن مركزاً إقليمياً في مجالات الخبرة والكفاءات البشرية.
قضايا الأمة: الموقف الثابت من القدس وفلسطين :
لم يكن الملك الحسين مجرد قائد لدولة، بل كان قائدًا عربيًا بامتياز. فقد كان الالتزام بقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس الشريف، مبدأً راسخًا في نهجه.
الوصاية الهاشمية: حمل الحسين لواء الدفاع عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، مؤكدًا على الوصاية الهاشمية التاريخية التي تعود لجده الشريف الحسين بن علي.
رجل السلام الشجاع: رغم حروب المنطقة والتوترات المستمرة، كان الحسين "صانع القرار الشجاع" الذي سعى دائمًا إلى تحقيق السلام العادل والشامل، مؤمنًا بأن السلام القائم على الحق هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل الأجيال القادمة.
الإرث الخالد واستمرارية المسيرة :
في السابع من فبراير عام 1999، ودّع الملك الحسين بن طلال شعبه وأمته، تاركاً إرثاً عظيماً ووطناً آمناً مستقراً.
انتقلت الراية بسلام إلى وريث العرش، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يواصل المسيرة بجد واقتدار، مستنداً إلى رؤية والده الراحل. إن الأردن اليوم، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، هو امتداد طبيعي لنهج الحسين، حيث تتواصل جهود التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، ويظل الأردن صوتاً للحق ورمزاً للاعتدال وركيزة للاستقرار في المنطقة.
إن الأردنيين، وهم يحيون هذه الذكرى، يجددون العهد بالوفاء للراحل الكبير، وبالولاء لقيادتهم الهاشمية الحكيمة، مؤكدين أن إنجازات الملك الباني هي الأساس الذي يقوم عليه الأردن المنيع، وأن روحه الوطنية ستبقى خالدة خلود الوطن.
رحم الله الملك الحسين بن طلال، وأسكنه فسيح جنانه، وحفظ الله الأردن تحت ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
عمّان : 14 نوفمبر 2025
